المؤسسات بحث
مركز بشيرة للفنون
ترويج الفن المعاصر وممثلوه من الفنانين الشباب، وتطوير قدراتهم في التفكير النقدي
المزيد>>
أخبار بحث
  • النشرة الختامية من موقع السياسات الثقافية في المنطقة العربية يُعلن برنامج السياسات الثقافية في... قراءة>>
  • مصر: افتتاح متحف نجيب محفوظ بعد 13 عاماً شهدت القاهرة منتصف شهر تموز/ يوليو 2019... قراءة>>
  • ليبيا: ملتقى دولي حول حماية التراث الثقافي في ليبيا عقدت منظمة اليونسكو يومي 15 و16 تموز/ يوليو... قراءة>>
  • العراق: قبول مشروط لإدراج بابل القديمة على لائحة التراث العالمي بإجماع أعضائها، أدرجت منظمة الأمم... قراءة>>
  • الأردن: 50 ألف كتاب مجاني في المدرج الروماني أطلق الفاعل الثقافي حسين ياسين، مؤسس... قراءة>>
الأعضاء بحث
يونس شقور
ممثل / مخرج مسرحي و سينمائي , المعهد العالي للفن المسرحي و التنشيط الثقافي
Youness Chakor is an Actor, Film-maker & Stage director; born on 25 December 1987 in Taza Morocco where it is grown and continue his
المزيد>>


الاخبار
حقوق ثقافية للجميع – بسمة الحسيني

تُستَخدم العبارة المتكررة بأن العالم أصبح قرية صغيرة بفضل التطور في تكنولوجيا الاتصالات للبرهنة على أن البشر أصبحوا أكثر تواصلًا فيما بينهم من أي وقت مضى، لاسيما مع اتّساع نطاق استخدام شبكات التواصل الاجتماعي. ولكن، رغم التقدم الكبير الذي أحرزه العالم في تكنولوجيا الاتصالات خلال القرن الماضي، ورغم التحول الإيجابي الكبير في الوعي الذي نتج عنه وضع أول ميثاق أخلاقي  الذي تمثل في وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وما تبعها من هيئات مسؤولة عن تنفيذها، على الرغم من هذه الإنجازات الكبيرة أعتقد أننا اليوم أمام عالم منقسم بحدة ، من حيث توزيع الثروة والحصول على الخدمات الأساسية. من الهام أيضاً ملاحظة أنه على الرغم من زيادة الاتصالات الإفتراضية في العالم، فقد أصبح التنقل جسديًا بين الدول أصعب من أي وقت مضى بسبب القيود التي تفرضها الدول الغنية على دخول الزوار من الدول الأفقر.

يعيش قرابة خُمس سكان العالم، البالغ عددهم 7.6 مليارات نسمة، في الأحياء الفقيرة ومخيمات اللاجئين وغيرها من المناطق السكنية العشوائية التي تفتقر إلى معظم الخدمات الأساسية، أو كلها، مثل الماء والصرف الصحي والحماية من ظروف الطقس الشديدة والرعاية الصحية والمدارس. يتركز معظم هذا الجزء من سكان العالم في الدول النامية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط.

الفروق الاقتصادية والاجتماعية بين الدول الغنية والدول الفقيرة، صادمة. حسب تقرير صادر في كانون الثاني/يناير 2014 عن مؤسسة أوكسفام[1]، يمتلك أغنى 85 شخصًا في العالم، مجتمعين، ما يملكه النصف الأفقر من سكان العالم مجتمعين، أي نحو 3.5 مليارات نسمة. وتقول دراسة أعدّها مصرف كريدي سويس، في تشرين الأول/أكتوبر 2014، إن 1 في المئة من سكان العالم، حاليًا، يمتلكون نصف الثروة العالمية، وأن توسّع الهوة المتسارع بين الأغنياء والفقراء قد يؤدي إلى كساد اقتصادي. وقال تقرير آخر من أوكسفام[2]، صدر في كانون الثاني/يناير 2018، أن 82 في المئة من الثروة العالمية التي تم إنتاجها خلال عام 2017 كانت من نصيب 1 في المئة من أثرى سكان العالم.

من ناحية أخرى، خلال العقدين الماضيين، قد تكون الحرب هي العامل الأكثر تأثيرًا في انقسام البشرية، على الأقل في المنطقة التي أنتمي إليها، المنطقة العربية، إذ تحولت هذه المنطقة إلى ساحة للقتال   بين قوى العالم وأيديولوجياته المتصارعة، وإلى منجم ذهب لشركات صناعة السلاح.

كلفة هذه الحروب صادمة حقًا: أكثر من 10 ملايين لاجئ[3] من سوريا والعراق واليمن وجنوب السودان وفلسطين، ونحو مليونَي قتيل، منذ عام 2003، في العراق وسوريا وفلسطين واليمن وليبيا ومصر والبحرين وتونس، ومئات الآلاف من السجناء السياسيين، وعدد غير معروف من التنظيمات الإرهابية، وعدد غير معروف من القواعد العسكرية الأجنبية، وبلوغ إنفاق الدول العربية على التسليح إلى  أكثر من 150 مليار دولار  خلال عام 2015[4] وحده، واضطرار أكثر من 100 مليون نسمة للعيش تحت خط الفقر، البالغ 2.5 دولار في اليوم[5]، في هذه المنطقة الغنية بالنفط.

أعتقد أن انعدام المساواة الاقتصادية والحرب هما الخطران الأكبر على مستقبل البشرية، فكلفتهما أكبر مما تستطيع البشرية احتماله، وأثرهما لا يقتصر على الخسائر الملموسة: الضحايا واللاجئون والمجاعات وسوء التغذية والأمّية والأوبئة ومعدلات الوفاة، إلخ. يكمن الأثر الأعمق والأبقى في حرمان البشرية من إمكانيات التقدم. إن خسارة المواهب  والفكر الإنساني بسبب الحروب والفقر خطر حقيقي على أجيال المستقبل.

في المساعي والنقاشات العالمية للحد من أثر هذين الخطرين، من أهم العوامل التي لا تلقى اهتمامًا كافيًا: الفنون والثقافة. من السهل أن تُصاب المجتمعات التي تعاني من الحرب والفقر والعنف والتهميش الاجتماعي باليأس، إذ يشعر من يعيشون في  هذه المجتمعات بأنه ليس هناك من يلاحظ ألمهم، وأن العلاقة الوحيدة التي يستطيعون إقامتها مع الآخرين هي انتظار المساعدة. إلا أن قدرة هذه المجتمعات، والأفراد المنتمين إليها، على خلق الأعمال الفنية والاستمتاع بها، تضعهم في الطرف المُرسِل والمانح، بدلاً عن الطرف المتلقي. يمكن لأبناء هذه المجتمعات خلق أعمال فنية يحتاجها الناس في مجتمعات أخرى ويستمتعون بها. لن يغير هذا من واقع وقوعهم ضحية للحرب والاستغلال الاقتصادي، ولكنه يمنحهم القدرة التي يمدها بهم الفن: القدرة على تخيل واقع أفضل من الواقع الذي يعيشونه، القدرة على الأمل.

أصبح إثبات أن الثقافة أساس للتغير الاجتماعي مسعىً عبثيًا إلى حد ما، شبيه بمسعى سيزيف، فعلى الرغم من العديد من الحجج التي يسوقها الفنانون والناشطون الثقافيون، المدعومة عادةً بقصص حقيقية وبالأدلة، يبدو أن المنطق القائل إن الفقراء والمهمشين يحتاجون إلى الفن غير مقنع لصناع السياسات والسياسيين والاقتصاديين، والأهم منهم: وسائل الإعلام. ثمة قناعة متجذرة لدى القيادات السياسية والاجتماعية، حتى أكثرها تقدمية، بأن القدرة على التعبير الإبداعي والرغبة في الاستمتاع بالفن حكر على الطبقات الحاكمة، وليست ضرورية للدول والمجتمعات الفقيرة. إنه لمن المحبط أن يشهد المرء، مرارًا، عجز الإتفاقيات والمنظمات الدولية عن الإعتراف بأهمية الفنون والثقافة، باعتبارها أهم مجالات النشاط الإنساني لنقد وخلق القيم والأفكار، وحيث يمكن المساهمة في معالجة جذور عدم المساواة والإقصاء والعنف والصراع. يظهر هذا الفشل والعجز في كل مرة يُعلَن عن مؤتمر دولي أو خطة عالمية، ونكتشف أن الفنون والثقافة تكاد لا تُذكر، وإن ذكرت، نجدها في آخر قائمة الموضوعات أو المجالات.

 المفارقة في هذا الفشل والعجز تبدو واضحة عندما نرى أن الفنانين والكُتّاب هم هدف أساسي للأنظمة الاستبدادية في كل مكان. إذا لم يكن الفن مهمًا، فلِمَ إذاً يُسجَن الفنانون وتُمنَع أعمالهم؟ الأمثلة كثيرة، من عثمان كافالا في تركيا إلى بوبي واين في أوغندا، نجد أن الأنظمة تضع  الفنانين والناشطين الثقافيين خلف القضبان، وتُغلَق المسارح وصالات العرض، وتُمنَع القصائد والأغنيات، وتتحول حرية التعبير تدريجياً إلى امتياز للأشخاص الأثرياء والدول الغنية. من المحزن أن نرى  أن الطغاة هم الوحيدون القادرون على إدراك دور الفنون والثقافة، أو على الأقل الجانب المتعلق بالتمرد في  هذا الدور.

ولكن الفن، عبر قدرته على مناقشة الأفكار والقيم ونقدها وخلقها، يستطيع لعب أدوار عديدة، فهو يمنح الناس أدوات ومنابر لتحليل واقعهم والتعبير عن مخاوفهم وشكوكهم وتشكيل واستنتاج قناعاتهم ومعتقداتهم واستنباط الوقائع وتعميمها، وكذلك، وبطبيعة الحال، الاستمتاع بالحياة. كثيرًا ما يتم التغاضي عن هذا الدور الأخير في الحالات النادرة التي يلقى فيها دور الفن اهتمامًا عامًا. لِمَ يُنظَر إلى الاستمتاع بالحياة على أنه أمر غير مهم للمحتاجين والمهمشين في الوقت الذي ينفق الأثرياء المليارات على ذلك يوميًا؟

حاولت اليونسكو تعويض هذا النقص في معاهدتها لعام 2005[6]، لاسيما في البند 13 الذي جاء فيه: "يجب أن تسعى الأطراف لدمج الثقافة في سياساتها التنموية على المستويات كافة لتوفير شروط تعزز التنمية المستدامة". إلا أن الأمثلة على تنفيذ هذا البند بنجاح قليلة جدًا في الدول الموقعة على المعاهدة، والبالغ عددها 145 دولة.

ثمة حاجة ملحة لمناصرة هذه القضية بشكل أكبر، لا على المستويات العليا لصناعة السياسات فحسب، بل بين من نعتبرهم "مقتنعين" أيضًا، أي الزملاء من قطاعات أخرى في المجتمع المدني وحركات الشباب والمناضلين من أجل الحرية، والأهم، بين من نسعى نحن الفنانين والناشطين الثقافيين إلى حماية مصالحهم. تؤدي فكرة أن الفن رفاهية لمن يستطيعون احتمال كلفته إلى حرمان الفقراء والمهمشين من السلاح الأكثر فاعلية لديهم لإحداث التغيير الاجتماعي. تؤخذ الأموال التي تنفقها الدول النامية على بناء دور أوبرا فاخرة وصالات عرض وطنية خاوية، من الميزانيات التي ينبغي أن تخصصها هذه الدول لبرامج وفضاءات يجب أن تتوفر في كل حي عشوائي ومخيم لاجئين وقرية  في سبيل دعم التعبير الإبداعي الحر وتشجيعه. في مثل هذه المجتمعات يلعب الفن دوره الأساسي: في تحويل الصعوبات التي نواجهها والفظائع التي نشهدها إلى مساءلة حقيقية للظلم والقمع والعنف. هنا أيضًا يكتشف الناس الأكثر تعرضًا للمعاناة المتعة الناتجة عن الفن، ويستعيدون قدرتهم على التواصل مع الآخرين. بالنسبة لمن يعيشون في هذه المجتمعات، وهم أكثرية البشر، يحدث الفن تحولًا حيويًا نحو الأفضل.

ليست هذه دعوة للتخلي عن صالات الموسيقى الفاخرة والمهرجانات الدولية البراقة، والعمل حصرًا في العشوائيات والقرى ومخيمات اللاجئين، ولكن علينا جميعًا أن ندرك أن هذه المجتمعات موجودة، وأن من يعيشون في هذه المجتمعات لديهم الحاجة نفسها إلى التعبير الفني، والقدرة عليه، الموجودة لدى سكان أحياء الطبقة الوسطى والضواحي الثرية. باختصار: نحن بحاجة  إلى حقوق ثقافية للجميع. هذا هو ما تدعو إليه الأجندة 21 من أجل الثقافة التابعة لمنظمة" المدن والحكومات المحلية المتحدة.

يستطيع المجتمع الدولي اختيار عدم الاعتراف بهذا، ولكننا عندها سنكون مضطرين إلى بناء المزيد من الجدران، والتمسك بشكل أقوى بالخوف ونظريات المؤامرة، وإلى أن نكون أفقر وأقل أمنًا. لن نكون أفقر في الثروة المادية فحسب، بل بحرمان مجتمعاتنا من ثروة الفن الذي يمكن للبشر الذين  نختار تجاهلهم خلقه والاستمتاع به. وسنكون أقل أمنًا رغم المليارات التي تُنفَق على الإجراءات  الأمنية، لأن معنى الأمن يتجاوز الأمان الجسدي المباشر من الخطر، ويمتد ليشمل أمن مستقبلنا كبشر عقلاء وقادرين على التعاطف. لن نكون أثرياء أو آمنين إلا إذا وجدنا القوة في أعماقنا لتحدي الواقع، ووسّعنا خيالنا لنرى العالم الذي نرغب في العيش فيه ونخلقه.

 


[1] https://www.oxfam.org/sites/www.oxfam.org/fles/bp-workingfor-few-political-capture-economic-inequality-200114-summ-en.pdf

[2] https://www.oxfam.org/en/pressroom/pressreleases/2018-01-22/

richest-1-percent-bagged-82-percent-wealth-created-last-year

[3] https://www.unrefugees.org/refugee-facts/statistics/; http://www.unhcr.org/fgures-at-a-glance.html

[4] https://www.sipri.org/sites/default/fles/EMBARGO%20FS1604%20

Milex%202015.pdf

[5] http://www.arabdevelopmentportal.com/indicator/poverty

[6] http://unesdoc.unesco.org/images/0014/001429/142919e.pdf


أضف بريدك هنا لتصلك نشرتنا البريدية.