المؤسسات بحث
استوديو عماد الدين
تقوية مجال فنون الآداء في مصر وتشجيع التعاون وتبادل الثقة بين الفنانين وذلك
المزيد>>
أخبار بحث
  • النشرة الختامية من موقع السياسات الثقافية في المنطقة العربية يُعلن برنامج السياسات الثقافية في... قراءة>>
  • مصر: افتتاح متحف نجيب محفوظ بعد 13 عاماً شهدت القاهرة منتصف شهر تموز/ يوليو 2019... قراءة>>
  • ليبيا: ملتقى دولي حول حماية التراث الثقافي في ليبيا عقدت منظمة اليونسكو يومي 15 و16 تموز/ يوليو... قراءة>>
  • العراق: قبول مشروط لإدراج بابل القديمة على لائحة التراث العالمي بإجماع أعضائها، أدرجت منظمة الأمم... قراءة>>
  • الأردن: 50 ألف كتاب مجاني في المدرج الروماني أطلق الفاعل الثقافي حسين ياسين، مؤسس... قراءة>>
الأعضاء بحث
Mohammad Ramadan
Cultural Manager, صالون ملوي الثقافي
محمد رمضان حسين • ليسانس لغات وترجمة – قسم لغة ألمانية وآدابها – شعبة دراسات
المزيد>>


الدراسات و التقارير-مقالات الرأي
الجزائر: مقدّمات بديهيّة للثورة
Mar 2019

بقلم حبيبة العلوي

شاعرة وعضو مجموعة العمل حول السياسة الثقافية في الجزائر  

19 آذار/ مارس 2019

في 24 من شهر يناير 2019 لفظ المنتج والمخرج التلفزيوني الجزائري "يوسف قوسم" أنفاسه الأخيرة في مستشفى الدويرة، بعد سبعة عشر يوماً من محاولة الانتحار حرقاً والتي أقدم عليها في مقر قناة "دزاير نيوز" الخاصّة إثر خلاف عالق مع إدارتها، المتهّمة بالتماطل في تسديد مستحقاته المالية[1]، كان يمكن أن تشكّل هذه الحادثة البوعزيزيّة ذروة تعفّن المشهد الثقافي في الجزائر، ولكنّها مرّت دون إحداث جلبة كبيرة لو أغفلنا البيان الذي رفعه أكثر من مائة سينمائي يندّدون فيها بالممارسات المعيقة لعملهم ومن بينها "الديون العالقة إلى أجل غير مسمّى"، فضلاً عن التجمّع الذي عقده 25 من الفنانين والمخرجين والمواطنين أمام مقر سلطة الضبط السمعي والبصري احتجاجاً على الممارسات المهينة لبعض القنوات الجزائريّة.

قبلها بثلاثة أشهر رفع ما يزيد عن المائتي فاعل ثقافي بياناً شديد اللهجة ضد وزارة الثقافة، يدعو لفتح حوار عاجل حول وضع القطاع الثقافي بالجزائر الذي يعرف انسداداً خطيراً منذ أكثر من ثلاث سنوات، طغت عليه فيها فضائح الفساد والشلليّة.

لم يعرف القطاع الثقافي في الجزائر في الواقع وضعاً أكثر فوضويَة وعدميّة وضبابيّة من الشهور الأخيرة لسنة 2018، لدرجة استدعت فيها خروج المواطنين للاحتجاج ضد تنظيم بعض الفعاليّات الثقافيّة في أكثر من ولاية جزائريّة.

غير أنّ صوت بعض الفاعلين الثقافيين، وانتحار أحدهم، وحتّى خروج جموع المواطنين، لم يكن كافياً البتّة لتنبيه السلطات لإجراء أي حركة تغيير عميقة على رأس القطاع أو في تشريعاته.

ولكن علينا أن نتذكّر دوماً في هذا السياق أن نسبة المستفيدين من هذا الوضع من النخب الصامتة والمتواطئة مع الفساد لم يكن هيّناً، أو لا يعتدّ به في تقييم حالة كهذه استمرت لأكثر من عقدين.

ولأنّ حالات الانتحار "الناجحة/غير الفاشلة" في الجزائر فاقت الألف في سنة 2018، فإنّ انتحاراً بوعزيزيّا ثقافيّاً "ناجحاً!" لن يكون بأيّ حال إلاّ مؤشراً غير مميّز عن تعفّن وطني عام قد ينذر بانهيار أو انتفاض قريب. لهذا ربّما لم يسترع اهتمام الكثير هذا الانتحار الثقافي الرمزي الذي كان يمكن أن يشكلّ في بلاد أخرى ذروة ما قد يحلّ بسلّمها القيمي.

بعد شهر تقريباً من وفاة يوسف قوسم وسط عشرات حالات الانتحار شنقاً أو حرقاً أو غرقاً في قوارب الموت، تدفّق الجزائريون بالآلاف ثم بالملايين ليستعيدوا شوارعهم المغتصبة بالصمت المهين منذ عشرين سنة.

لم تكن هذه الهبّة نخبويّة البتّة، فعشيّة 22 من فبراير كان وزير الثقافة عز الدين ميهوبي مازال يرافع من أجل الاستمراريّة بدعوى أنّ الفنانين يساندون ترشّح الرئيس راعي حقوقهم الاجتماعيّة والصحيّة، وكانت بقيّة الفواعل الثقافيّة الناقمة مازالت تتقاذف التهم كعادتها أو تحتشد في قوائم بيانات وعرائض تندّد وتشجب وتستنكر أو تطالب في أحسن الأحوال.

كما أنّه علينا أن نعترف في هذا المقام أنّ حجم وصوت المبادرات الثقافيّة الحقيقيّة الفاعلة على الأرض، ظلّ خافتاً ومحاصراً أمام التخبّط العام الذي وسم المشهد.

لم تكن مفاتيح التغيير في الحقيقة بيد النخب المعروفة والمكرّسة، ولهذا لا يمكننا إلاّ أن ندّعي أنّ لحظة 22 هي لحظة شعبيّة وطنيّة بامتياز لا نعرف إلى اليوم النخب الجديدة التي قادتها ويسّرت لها سبل التحقّق والإنجاز والإبهار.

أمّا من التحق بها من أسماء كبيرة أو صغيرة فلا يغدو إلاّ اصطفافًا وسط جموع وحدّها شعور عميق بالإهانة وبفقدان لملامح هويّة جزائريّة، كان آخر ما تفاخر به أنفة لا يمكن أن تقهر.

وحتّى هذه اللحظة يبدو هذا الحراك لحظة معجزة أخلطت أوراق الكثير من المثقفين،  وجعلتهم يراجعون علاقتهم مع الشارع ومع الأجيال الجديدة التي لطالما كانوا ينظرون إليها بعين الريبة والتوجّس والاستصغار.

والآن والحراك يشرف على أسبوعه الرابع، والسلطة تطلق خططها للاستقطاب والتحاور، شرع عدد من المثقفين في الانتظام في محاولة لدعم الشارع وإبداء مساندته على غرار ما حصل مثلاً في جامعة الجزائر2 ؛ التي رفض بعض أساتذتها العطلة المفروضة من وزير التعليم العالي والبحث العلمي وانتظموا لأوّل مرّة في تاريخهم في شكل لجنة مساندة للحراك تمثّل كلّ أقسام الجامعة، التي بقت طيلة العقدين الماضيين مغيبّة عن المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي غارقة في غياهب بيروقراطيّتها، كذلك نذكر مبادرة "المجلس الوطني الثقافي لمواكبة التغيير الديمقراطي" التي التحق بها حتّى الآن ما يناهز الثلاثمائة مثقفاً، وهي المبادرة الطامحة لحماية ومتابعة خطى الحراك. 

غير أنّ حقيقة أخرى ظاهرة وملحّة يستشعرها كلّ من يحتك بالشارع، تقول بأنّ هذا الأخير مازال متحسّساً جدّاً من أي محاولة لتصدّر المشهد أو تمثيله، وهذا الحرج هو ما يتوجّب على المثقفين اليوم أن يستوعبونه جيّداً ويتعاملون معه بكلّ التواضع والحذر والذكاء الممكن والكفيل باسترجاع المثقّف لدوره العضوي في المجتمع، الدور الذي تنازل عنه مرّة وحرم منه مرّات.

ولهذا يبدو أنّ مهمّة المثقف الحالية والتي يجدر به أن يحرص على أدائها بنجاعة وصدق وأمانة، هي ممارسة مواطنيّته إلى أقصى درجاتها الممكنة؛ التي ستشقّ له حتماً جسراً إلى ثقة واحتضان ضمير هذا الحراك الشعبي.



[1] "دزاير نيوز" هي من بين قنوات التجمّع الإعلامي "الوقت الجديد" الذي  يملكه رجل الأعمال علي حدّاد رئيس منتدى رؤساء المؤسسات.


أضف بريدك هنا لتصلك نشرتنا البريدية.