الجزائر واتفاقية اليونسكو
Apr 2015د. حبيبة العلوي / صحيفة الخبر
9 نيسان/ أبريل 2015
يفترض أن تعدّ مصادقة الجزائر على اتفاقية اليونسكو 2005 لدعم وتعزيز تنوّع أشكال التعبير الثقافي فرصة حقيقيّة للقطاع الثقافي المستقلّ في الجزائر لفرض وجوده كطرف فاعل ونافذ في تسيير المشهد الثقافي الجزائري، وفي سنّ السياسات الثقافيّة التي تنظّم العمل الثقافي والفني، وفق آليّات تدفع به إلى الإنتاجيّة والمشاركة الفعليّة في مشروع التنمية المستدامة؛ من حيث إنّ من أهمّ مكاسب المصادقة على هذه الاتفاقيّة هو الانخراط في قائمة الدول التي تعتبر السلعة الثقافيّة سلعة تجاريّة استثنائيّة؛ بمعنى أنّها سلعة تستحق دعم الدولة ولا تجري عليها قوانين السوق التنافسيّة. ومن شأن هذا التمييز الإيجابي أن يدعم ويحمي السلع الثقافية للبدان النامية، خاصّة التي ليس في وسعها بأي حال منافسة سلع الدول الكبرى التي تحتكر السوق كمّا وسعرًا. وإذا أردنا أن نخصّ المجال الفنّي والسينمائي على وجه التحديد بالحديث فإنه يمكننا أن نعطي مثالا بالنموذج الكوري الجنوبي الذي استفاد قطاعه السينمائي بالمصادقة على الاتفاقية، حيث انتعشت السوق السينمائية الكوريّة بالإنتاج إثر تفعيل تطبيق بنود الاتفاقية الحاثّة على دعم السلع الثقافيّة لمختلف الثقافات الوطنيّة دون تمييز لتعزيز فرص تنافسيّتها في السوق المحليّة والعالميّة على السواء، مع الالتزام بمبدأ الانفتاح على ثقافة الآخر وعدم غلق الأبواب أمام منتجاته الثقافيّة. عربيّا؛ يمكننا أن نعطي مثالا بدولة المغرب التي بقيت متردّدة لسنوات هي الأخرى قبل أن تصادق على الاتفاقية، مراعاة لحرج التزامها مع الولايات المتحدّة الأمريكيّة باتفاقيّة للتجارة الحرّة تجعلها عاجزة عن تقديم الدعم لسلعها الثقافية لحمايتها من سيطرة المنتج الأمريكي- المتداول بأسعار تنافسيّة جدّا- على السوق المغربيّة، ورغم أن ّ الضرر لم يكن وخيما على السلع الثقافية المغربيّة حتّى تاريخ مصادقتها على الاتفافية سنة 2003، بالنظر لعدم اضطرارها إلى تطبيق التزاماتها حيال عدم دعم المنتج الثقافي المحلّي لحمايته من تنافسيّة المنتج الأمريكي لضعف إنتاجها الثقافي- من حيث الكمّ- أصلا، إلاّ أنّ استمرارها في تجاهل الاتفاقية كان سيكلّف اقتصادها الثقافي الكثير في المستقبل في حال دخول المغرب في منطق مشروع تنمية مستدامة طموح يشرك القطاع الثقافي بفعاليّة وقوة. تبقى الجزائر كحالة ثقافيّة استثنائيّة- عالقة بين نموذج دكتاتوري قارّ يضع كلّ دواليب الفعل الثقافي في يد السلطة، ونموذج ديمقراطي مطموحٍ إليه يلحق الجزائر بحكم التزاماتها الوطنيّة والدولية بنطاق الدول المتّمتّعة بقطاع ثقافي مستقلّ قويّ وحوكمة ثقافيّة راشدة وشفاّفة- غير قادرة عمليّا على الانخراط الجدّي في تطبيق بنود هذه الاتفاقيّة والاستفادة من امتيازاتها طالما لم تبتّ في قضايا عالقة كقانون الجمعيّات مثلا؛ إذ كيف يمكن لدولة أن تتمكّن من حماية تنوّعها الثقافي وهي تضيّق على مواطنيها فرص الانتظام في شبكات وتنسيقيّات حاملة لهمّ الثقافات المحليّة الفاعلة عاكسة لحاجاتها ومطالبة بحقوقها؟! وحده الانخراط الجدّي إذن في أفق سياسي وثقافي جديد يمنح للمبدّع- وللمواطن الجزائري أوّلا- حريّة التعبير والخلق، وحريّة مشاركة أفكاره؛ وجمهور المواطنين هو الكفيل بإنعاش الساحة الثقافيّة الجزائريّة وحماية وصيانة منتجاتها ومكتسباتها ومقوّماتها.