الجزائر واتفاقية اليونسكو.. سنوات من الانتظار واستحقاقات جديدة
May 2015بعد انتظار وتردد دام عشر سنوات صادقت الجزائر أخيراً على اتفاقية اليونسكو 2005 لدعم وتعزيز تنوّع أشكال التعبير الثقافي مطلع شهر نيسان/ أبريل 2015. ويتطلع الفاعلون الثقافيون في الجزائر، مؤسسات وأفراد، إلى هذه الخطوة بكثير من الحماس وبشيء من التوجس حول خطوات التطبيق ومدى فعاليته. فالاتفاقية تهتم بقضايا حقوق المؤلفين، واللغات المهدّدة، والمفاوضات التجاريّة في الميدان الثقافي، إلى جانب الصناعات الثقافيّة، كالسينما، والكتاب، والمسرح، والفنون البصريّة، والمؤلفات الصوتيّة وغيرها، إضافة إلى تبني سياسات ثقافيّة واضحة ومناسبة لخصوصيّة كل بلد.
الاتفاقية.. لماذا؟
وتكمن أهمية مصادقة الجزائر أن الاتفاقية تُلزم الجزائر بالتوجه إلى إدراج القطاع الثقافي في التنمية الاقتصادية وضمان مشاركة أكبر للمجتمع المدني وحماية الأقليات الثقافية. ويتمثل أهم مبادئ هذه الاتفاقية التي تعترف بخصوصية المنتوج الثقافي في "تجديد التأكيد على أهمية العلاقة بين الثقافة والتنمية سيما بالنسبة للبلدان النامية".
هذه الإجراءات من شأنها ترجمة "وضع سياسات ثقافية" تؤدي إلى إنشاء وإنتاج وتوزيع المنتجات الثقافية من خلال "إشراك شريحة واسعة من الفاعلين في إعداد البرامج الثقافية سيما المجتمع المدني"، وذلك وفق إطار التنمية المستدامة واعتبار المنتج الثقافيّ سلعة تجاريّة ثمينة تقع خارج إطار التنافس التجاري لحمايتها من مخاطر الاحتكار والمنافسة التي تقودها الدول الكبرى. كما تلزم هذه الاتفاقية الجزائر باتخاذ إجراءات قانونية من أجل "تسهيل عملية حصول الصناعات الثقافية الوطنية المستقلة على وسائل إنتاج وتوزيع النشاطات والخدمات الثقافية وتقديم مساعدات مالية عمومية" حسب ما جاء في نص الاتفاقية. كما ينبغي على الدول الأعضاء في الاتفاقية "إدراج الثقافة في استراتيجيات التنمية المستديمة" مع الالتزام "بتقاسم المعلومات" و"ضمان الشفافية حول الإجراءات المتخذة من أجل حماية وترقية تنوع التعابير الثقافية".
آمال وتخوّفات..
ترى الباحثة والفاعلة الثقافية د. حبيبة العلوي أن مصادقة الجزائر على اتفاقية اليونسكو 2005 لدعم وتعزيز تنوّع أشكال التعبير الثقافي فرصة حقيقيّة للقطاع الثقافي المستقلّ في الجزائر لفرض وجوده كطرف فاعل ونافذ في تسيير المشهد الثقافي الجزائري، وفي سنّ السياسات الثقافيّة التي تنظّم العمل الثقافي والفني، وتسوق مثالاً من دولة مجاورة هي المغرب التي تأخرت في المصادقة على الاتفاقية وتتحدث في معرض مقالها المنشور في صحيفة الخبر بتاريخ 9 نيسان/ أبريل 2015 عن هذا "التأخر والتردد" أنه كان مراعاة لالتزامها مع الولايات المتحدّة الأمريكيّة باتفاقيّة للتجارة الحرّة والتي تجعلها عاجزة عن تقديم الدعم لسلعها الثقافية لحمايتها من سيطرة المنتج الأمريكي- المتداول بأسعار تنافسيّة جداً- على السوق المغربيّة.
أما عن الجزائر فتقول: "تبقى الجزائر كحالة ثقافيّة استثنائيّة- عالقة بين نموذج دكتاتوري قارّ يضع كلّ دواليب الفعل الثقافي في يد السلطة، ونموذج ديمقراطي مطموحٍ إليه يلحق الجزائر بحكم التزاماتها الوطنيّة والدولية بنطاق الدول المتّمتّعة بقطاع ثقافي مستقلّ قويّ وحوكمة ثقافيّة راشدة وشفاّفة- غير قادرة عملياً على الانخراط الجدّي في تطبيق بنود هذه الاتفاقيّة والاستفادة من امتيازاتها طالما لم تبتّ في قضايا عالقة كقانون الجمعيّات مثلاً؛ إذ كيف يمكن لدولة أن تتمكّن من حماية تنوّعها الثقافي وهي تضيّق على مواطنيها فرص الانتظام في شبكات وتنسيقيّات حاملة لهمّ الثقافات المحليّة الفاعلة عاكسة لحاجاتها ومطالبة بحقوقها؟! وحده الانخراط الجدّي إذن في أفق سياسي وثقافي جديد يمنح للمبدّع- وللمواطن الجزائري أوّلاً- حريّة التعبير والخلق، وحريّة مشاركة أفكاره؛ وجمهور المواطنين هو الكفيل بإنعاش الساحة الثقافيّة الجزائريّة وحماية وصيانة منتجاتها ومكتسباتها ومقوّماتها".
يُذكر أن اتفاقية اليونسكو 2005 لدعم وتعزيز تنوّع أشكال التعبير الثقافي قد صدقت عليها 133 دولة. وانضم إلى الاتفاقية أقل من نصف البلدان العربية، إلا أنها لم تصدق حتى اليوم من بلدان أخرى كالولايات المتحدة وكوريا الشمالية.