إطلالة على مشهد السياسات الثقافية في شمال إفريقيا والجزائر. بقلم: د. عمّار كسّاب
Aug 2015بقلم: د. عمّار كسّاب*
في السابع من شهر يناير ٢٠١٠ نظمت مؤسسة المورد الثقافي في بيروت المؤتمر الأول حول السياسات الثقافية في المنطقة العربية. وحضر هذا المؤتمر الأول من نوعه فنانون ومثقفون وفاعلون ثقافيون من كافة المنطقة العربية، بما في ذلك من دول المغرب العربي.
وجاءت في توصيات المؤتمر إطلاق مجموعات عمل حول السياسات الثقافية، كانت بمثابة الانطلاقة الملموسة لتجربة فريدة من نوعها بما أنها أعطت نفساً جديداً للعمل الثقافي في المنطقة كلها، ذلك العمل الثقافي والذي كان يعاني من الركود منذ سنوات عديدة في ظل أنظمة تخاف من حرية التعبير الفني والعمل الثقافي.
ووفقاً لهذه التوصية قام عدد من الناشطين والباحثين الثقافيين من الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا بتشكيل مجموعات عمل فعالة استطاعوا من خلالها فرض نمط تفكير جديد حول تسيير القطاع الثقافي عن طريق وضع سياسات ثقافية مكتوبة، تسطر أهداف الثقافة، تحدد أولوياتها وتدقق في مواردها. وتزامن ذلك بما يسمى بـ "الربيع العربي"، فكان لهذه المجموعات أكثر من دور بل مسؤولية ثقيلة في تفعيل دور الثقافة في التغيير السلمي.
تشكلت مجموعة العمل حول السياسة الثقافية بالجزائر في نهاية عام ٢٠١١ حيث نظمت اللقاء الأول حول السياسة الثقافية بمقر جمعية الجاحظية بالجزائر العاصمة، تبعتها أربعة لقاءات أخرى وسط وغرب وشرق البلاد كان هدفها في كل مرة تناول موضوعٍ يتطرق للتحديات والعقبات التي تواجه تطور القطاع الثقافي في الجزائر والبحث عن طرق تسيير حديثة تسمح للثقافة أن تلعب دورها كاملة في المجتمع.
وكُتب لمجموعة العمل حول السياسة الثقافية بالجزائر أن تنشط في ظروف تهيمن فيها الدولة على الشأن الثقافي في الجزائر بصورة مطلقة حتى أصبحت المبادرات المستقلة تكاد تنعدم. وتعتمد الدولة في ذلك على وزارة الثقافة والتي تستفيد كل سنة من ميزانية تقارب ٥٠٠ مليون دولار تصرف معظمها في تنظيم مهرجانات فلكلورية تعد بالمئات ولا تستقطب من الجماهير إلى القليل أو في تمويل أفلام أو كتب، إذا رأت النور، لا توزع، أو في مشاريع ثقافية أخرى شكك في طرق تسيير الأموال المخصصة لها "المجلس الوطني للمحاسبة" عدة مرات.
ومع ذلك، وبعد سنتين من اللقاءات والندوات والمشاورات مع الفنانين والكتاب والفاعلين الثقافيين في كافة أنحاء الوطن، طرح أعضاء مجموعة العمل، والذي فاق عددهم المائة عضو، مشروع سياسة ثقافية للجزائر نهاية عام ٢٠١٣. ويتكون هذا المشروع من ثلاثة عشر محوراً، يراد من خلالها إعطاء تصور واضح للسياسة الثقافية للبلاد، من تعريف لمفهومٍ الثقافة وتحديد لواجبات وحقوق الفنان ورسمٍ لحدود مجال تدخل الدولة في الميدان الثقافي.
ويأتي في مقدمة النص تعريف صريح للثقافة الجزائرية على أنها "تشمل مجموع التعبيرات المختلفة الفنية واللغوية والمعرفية، وتستمد قوتها من الانتماءات الجغرافية للبلاد، فالانتماء العربي والأمازيغي والإسلامي، وكذلك المغاربي والإفريقي والمتوسطي تشكل كلها مكونات تلك الثقافة الأساسية".
ولا تزال مجموعة العمل حول السياسة الثقافية بالجزائر تعمل من أجل تحسين طرق تسيير القطاع الثقافي وفتح المجال للمبادرات المستقلة وتقوية قدرات الناشطين الثقافيين. وفي إطار التقارب مع مجموعات عمل الدول الأخرى، تعتمد المجموعة الجزائرية على خبراء من هذه المجموعات لتنشيط ورشاتها، وذلك للاستفادة من التجارب الناجحة، في انتظار تنظيم مؤتمر مغاربي حول السياسات الثقافية لتقوية آليات العمل المشتركة في هذا المجال.
* د. عمّار كسّاب
دكتوراه في علوم التسيير (المدرسة العليا للتجارة بمونتريال ـ كندا). ناشط في المجال الثقافي في الجزائر وشمال إفريقيا. عضو في الجمعية العمومية لمؤسَّسة المورد الثقافي والجمعية الدولية للإدارة العامة. له عدة دراسات وبحوث في ميادين السياسات الثقافية، التسيير الثقافي والثقافة والتنمية. عضو مؤسَّس لمجموعة العمل حول السياسة الثقافية بالجزائر. www.gtpca.org