عن مشهد السياسات الثقافية في المنطقة العربية والمؤسسة الثقافية الأوروبية
Aug 2015"لم يأتِ مفهوم السياسات الثقافيّة من فراغ، بل هو نتاج التغيرّات والمواقف الاجتماعيّة المختلفة والسياقات السياسية والجيوسياسية، بالإضافة إلى أطر العمل الإيديولوجية والظروف الاقتصادية. ما هو مختلف في العالم العربي –وربما يجعله فريداً- هو أن تاريخه المعاصر مليء بالاضطرابات بشكلٍ غير اعتيادي، وفي الوقت نفسه بالغ الأهميّة بشكلٍ استثنائي لمن هو من الخارج"، بهذه العبارات افتتح المدون إيساندر العمراني تقديمه لكتاب "مدخل إلى السياسات الثقافية في الأردن، تونس، الجزائر، سوريا، فلسطين، لبنان، مصر، المغرب" والمنشور عام 2010.
شكّلت التحليلات المقدمة في هذا الكتاب لحالة البلدان العربية علامة فارقة وحجر الأساس لنشاط المؤسسة الثقافية الأوربية وتعاونها مع مبادرات السياسات الثقافية في البلدان العربيّة. بعد بضعة أشهر فقط فتح الحراك في المنطقة العربيّة الأبواب لاختبار الجوانب العمليّة لهذه المعارف الجديدة، وأصبح هذا الكتاب محورياً في دراسة التغيّرات الثقافية القادمة. وبعد عدة سنوات، تمكن شركاؤنا الرئيسيون في المنطقة العربيّة (مؤسسة المورد الثقافي ومؤسسة اتجاهات. ثقافة مستقلة) من زيادة عدد المحللين ومجموعات العمل في الميدان، مما جعل السياسات الثقافية تتحول من مفهوم هامشي وغريب إلى مجال ينال الاهتمام العام ويشارك في دعم المجتمع المدني في المنطقة. ويعتبر موقع قاعدة بيانات السياسات الثقافية في المنطقة العربية مثالاً يُحتذى به في هذا المجال، حيث يروّج الموقع لمزيد من الاعتراف بتطور السياسات الثقافية بوصفها ناقلاً مهمّاً لتعميق المشاركة المدنية في المجتمعات العربيّة.
تشهد المنطقة العربيّة تغيّرات غير مسبوقة إلى جانب ممارسات عنيفةٍ ومآسٍ إنسانية ولّدت وتولّد الكثير من العواقب التي تعتبر–من جديد- هامة لـ"من هو من الخارج"، وخصوصاً للأوروبيين. وفي السياق الحالي، يمكن إلى حدٍ كبير للأفكار التي تسعى لإصلاح السياسات العامة -والتي نشأت بصدق على مبدأ القاعدة الإجتماعية- أن تكون مستدامة، إذا أدركت الجماعات المدنيّة التي أطلقت هذه الأفكار أن النجاح يحتاج منظوراً طويل الأمد. وفي هذا السياق، فإن منصة مدنية مثل موقع قاعدة بيانات السياسات الثقافية في المنطقة العربية قد تكون أساسية لنشر المعرفة التي جمعتها بشكل مستقل، ولتسهيل تبادلٍ أقليمي لأفكار ثقافية حول المستقبل.
إحدى أهم المزايا الجديدة لموقع قاعدة بيانات السياسات الثقافية في المنطقة العربية، هي تقاريره الدورية التحليليّة وخدمات المعرفة التي يوفرها باللغة بالإنكليزيّة، إذ يرفد الموقع بتقاريره وبمعلوماته قاعدة بيانات السياسة الثقافية العالميّة World CP international database مما يرفع الوعي حول السياسات الثقافية في المنطقة العربية على مستوى عالمي، كما يتيح لغير الناطقين بالغة العربية الفرصة للحصول على رؤية عميقة وتحليليّة لوضع الفنون والثقافة في المنطقة. وبالرغم من كل المخاطر الراهنة يلعب موقع قاعدة السياسات الثقافية في المنطقة العربية دوراً جوهرياً في مراقبة وعكس ما يحدث في المجال العام، والذي يمتلك إمكانيات مدنية مميّزة لتنمية مزيدٍ من المساواة والعدالة والوصول إلى بنى حوْكمة تشاركية في المنطقة.
يعتبر العمل الثقافي المحليّ في كل أنحاء العالم قائداً أساساً في تحقيق استقرار المجتمع والاندماج الاجتماعي وتحرير المواطن إلى جانب المبادرات الفنية التي تنطلق من القاعدة الاجتماعيّة، وخصوصاً في المجتمعات المنكوبة التي شهدت أحداثاً عنيفة. وهذا ما يجعل الإصلاح التشاركي للسياسات الثقافيّة قطاعاً مهماً للتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني الصاعدة في البلدان العربيّة من أجل دعمها خلال وقوفها أمام النزعات الاستبدادية الجديدة والفوضى.
ترى المؤسسة الثقافية الأوروبية أن على صناع القرار في أوروبا أن يسعوا للوصول بصورة أعمق إلى اللاعبين الأساسيين في المجتمع المدنيّ في المنطقة العربيّة (وبصورة تتجاوز علاقاتهم القائمة حالياً مع المسؤولين والإدارات)، أما فيما يخص قاعدة بيانات السياسات الثقافية في المنطقة العربية فيمكن اعتبارها منصة معرفيّة مثالية لتبادل الخبرات والتأسيس للحوار مع الفاعلين في المجتمع المدني ضمن المجال الثقافي.
إن المؤسسة الثقافية الأوروبية فخورة كونها واحدة من الداعمين المؤسسين لقاعدة بيانات السياسات الثقافية في المنطقة العربية وتتطلع للترويج لمخرجات عملها الجوهري مستقبلاً على مستوى أوروبا.
تسفيتا أندرييفا وفيليب دايتاشامير/ المؤسسة الثقافية الأوروبيّة. تموز/ يوليو -2015