انهيار ميزانية الثقافة أو نهاية الثقافة الرسمية في الجزائر بقلم د. عمار كساب
Nov 2015بقلم د. عمار كساب
جاء مشروع قانون المالية لسنة 2016 حاملاً معه مفاجأة من العيار الثقيل، حيث انخفضت ميزانية وزارة الثقافة بنسبة 62% بالمقارنة مع سنة 2015، لتصل إلى أدنى حد منذ سبع سنوات.
وكان وزير الثقافة قد بدأ منذ توليه المنصب الجديد ببث إشارات مباشرة عن الموضوع، فقام بتجميد مجموعة من مشاريع بناء هياكل ثقافية وأعلن أنه سيقلص عدد المهرجانات من 200 مهرجان إلى 70 فقط. كما أطلق في الوقت نفسه حملة ترويج "يائسة" لتحفيز القطاع الخاص للاستثمار في قطاع الثقافة. وللتذكير فقط، عملت وزارة الثقافة على غلق الأبواب في وجه القطاع الخاص للاستثمار في مجال الثقافة إضافة إلى القطاع المستقل الذي عانى الأمرّين خلال العشرية السابقة.
من المعروف أن تكاليف وزارة الثقافة الثابتة (أجور العمال في القطاع، تكاليف تنظيم المهرجانات المرسمة، تكاليف صيانة الهياكل الثقافية.. إلخ) قد تضاعفت مع تضاعف ميزانية الوزارة 8 مرات بين عامي 2005 و2015. ولذلك ستكون نتائج انهيار هذه الميزانية على الثقافة الرسمية التي تبناها النظام منذ سنة 2000 وخيمة على "الثقافة الرسمية" التي استعملها النظام لأغراض سياسية. ومن المؤكد أن عدة مناصب وظيفية وعدة هياكل ثقافية ومهرجانات ستزول خلال الأشهر أو السنوات القادمة.
وكانت وزارة الثقافة قد اعتمدت على ميزانيتها الضخمة التي عادلت على سبيل المثال ميزانيتي الثقافة لدولتي البرتغال والمجر مجتمعتين، لتفرض هيمنةً مطلقة على القطاع أصبح فيه المبدع مكبل اليدين بأغلال الغلق والمنع والتهديد.
اعتمدت هذه الوزارة على التشريع لعرقلة المشاريع الثقافية المستقلة، فوضعت في ظرف 10 سنوات حوالي 500 نص تشريعي بين قوانين ومراسيم (قانون السينما، قانون الكتاب.. إلخ) تسعى كلها إلى فرض التراخيص والشروط التعجيزية لكل من يريد العمل والإبداع في القطاع الثقافي.
وكان عدة ناشطين ثقافيين قد حذروا سابقاً من خطورة سياسة الهيمنة التي اتبعتها الدولة التي رمت بكل النصائح عرض الحائط، لتجد نفسها الآن في ورطة حقيقية، وذلك لأن كل سياسة هيمنةٍ على الطريقة السوفياتية تحتاج إلى موارد مالية كبيرة. أما السؤال الذي سيطرح نفسه هو هل بإمكان وزارة الثقافة تحرير القطاع في ظل وجود نصوص تشريعية تكبح حرية الإبداع والعمل الثقافي في الجزائر.