أبرز تحديات عمل المجموعات العربية للسياسات الثقافية في العام 2016
Dec 2016من صورة سياسية بالغة القتامة في اليمن وسوريا والعراق، مروراً بصعوبات التمويل والانقسام المفاهيمي في المشهد الثقافي في فلسطين، وباستقالة شبه تامة للحكومة من الشأن الثقافي في موريتانيا، وصولاً إلى الانخفاض الحاد في ميزانية وزارة الثقافة في الجزائر وضعف مستويات الشفافية والأرشفة الرقمية، يبدو واقع العمل للمجموعات العربية للسياسات الثقافية شاقاً ومليئاً بالتحديات على مختلف المستويات. خلال العام 2016، تباينت خطط عمل وأولويات واستراتيجيات المجموعات العربية، ففي حين كثفت بعض المجموعات جهودها على الجانبين البحثي والمسحي متحدية شح المعلومات وغياب مصادرها، عملت مجموعات أخرى على كسر مركزية المدن الكبرى عبر تنفيذ مجموعة من الفعاليات في مدن بعيدة ومهمشة، أما مجموعات أخرى فقد غيّرت تماماً من استراتيجية عملها وخرجت من إطار الندوات وجلسات العمل المغلقة إلى تنفيذ فعاليات تحاكي فضاء المدينة العام وتفتح أسئلة الثقافة في زمن الحرب.
بمناسبة انعقاد الاجتماع العام للمجموعات العربية للسياسات الثقافية في تونس من 2 حتى 4 كانون الأول/ ديسمبر تشارك معنا ستة أعضاء من ستة مجموعات عربية أبرز الصعوبات التي اعترضت طريق عملها خلال عام 2016.
عمار نجار – اليمن
التحدي الأكبر خلال عام 2016 هو استمرار الحرب الأهلية للعام الثاني على التوالي وتفاقم العدوان الخارجي لدول التحالف مع ما تفرضه من حصار شامل على كافة المنافذ البحرية والبرية والجوية، وسيطرة المليشيا المسلحة على كل مؤسسات الدولة وانهيار الاقتصاد وتعطل البنك المركزي. كل ذلك انعكس بصورة حادة على قطاع الثقافة وسبب شللاً عارماً في مختلف مجالات النشاط الثقافي علاوة على تضرر الأنشطة الحياتية كافة في المجتمع اليمني وظهور حالات مجاعة وانتشار وباء الكوليرا وغيرها من المخاطر الجسيمة.
فاتن فرحات – فلسطين
هذا العام ركزت المجموعة الوطنية للسياسات الثقافية على ثلاثة مشاريع رئيسية: إطلاق الصفحة الالكترونية الخاصة بالمجموعة، بحث التمويل في فلسطين والحملة والمشاركة في وضع المنهجية الخاصة ببناء استراتيجية الثقافة والتراث لفلسطين للأعوام 2017-2022. أما التحديات الرئيسية التي واجهت المجموعة فهي شح التمويل الضروري لتطوير عمل المجموعة، إضافة إلى تقسّم القطاع المستقل الإبداعي في فلسطين ضمن قطبين حول موضوع معايير التطبيع الثقافي، فضلاً عن صعوبة الحصول على المعلومات المالية من المؤسسات المستقلة وشبه الرسمية والممولين في سياق رصد تمويل الثقافة في فلسطين.
أحمد مولود- موريتانيا
تمثلت أبرز التحديات لمجموعة العمل في موريتانيا هذا العام في غياب الأرشفة والتوثيق بالنسبة للمراسيم والقرارات والنصوص القانونية المنظمة لقطاع الثقافة خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وعدم اكتراث السلطات الحالية بالشأن الثقافي، وأبرز مثال على ذلك خلال سنة 2016 حلّ معهد الموسيقى والفنون الجميلة وفنون العرض الناشئ وكذلك حجب المخطط الخمسي للتنمية الثقافية عن الظهور ضمن برنامج الحكومة لسنة 2016 رغم موافقة البرلمان عليه !
حبيبة العلوي- الجزائر
في سنة التقشّف والتي أعلن فيها على خفض ميزانية وزارة الثقافة الجزائرية في شكل صارخ وغير مسبوق، واصلت "مجموعة العمل حول السياسة الثقافية في الجزائر" اشتغالها الهادئ على تمتين البنية التحتيّة للفعل الثقافي المستقل في الجزائر بانتقال قويّ للعمق الجزائري من خلال تنظيم ورشات في الإدارة الثقافية لأول مرّة في الجنوب الجزائري أولاها كانت في تمنراست والثانية في غرداية، على أن تلحقها ورشتان في مدينتين من مدن الجنوب الجزائري تحدّد حسب طلب المجتمع المدني. هذا الانتقال الرمزي والصعب في الواقع بحكم تحديّات العمل الثقافي الميداني في الجنوب الجزائري الذي يفتقر إلى هياكل سياحيّة تحقّق الوفرة والمنافسة، وكذلك إلى فضاءات ثقافيّة تيسّر من أعباء وميزانيّات تنظيم مثل هذه الورشات، إلى جانب شساعة المساحة وفقر التنشيط الثقافي المستقل الذي يسمح لفاعلي المنطقة بالتعبير عن ثرائهم الثقافي، ممّا يلزم أي فعاليّة مستقلّة بالحرص على تمكين أكبر لفاعلي المنطقة بحسب الإمكانات المتوافرة للمجموعة وعلى الأرض.
إلى ذلك واصلت مجموعة العمل هذه السنة أيضاً جهودها لإنجاز "خريطة المؤسسات الثقافية في الجزائر"، والتي تطلبت بذل جهد حقيقي تشبيكي وميداني لرصد وحصر أهم المؤسسات الثقافية سواء المستقلة أو العمومية على امتداد التراب الجزائري. هذا الجهد الذي اعترضه في الواقع شح المعلومات على المستوى المؤسساتي الحكومي، كذلك الضعف الرقمي الذي تعاني منه المؤسسات الثقافيّة الجزائرية خاصّة الرسميّة منها والتي لم تنخرط بعد في الفضاء الإلكتروني لإثبات حضورها والترويج لفعاليّاتها، مما أوجب بذل جهد ميداني كان يمكن أن يقتصد بتوافر المعلومات على شبكة الانترنت. إنّ إنجاز هذه الخريطة التي سيعلن عنها أواخر شهر كانون الأول/ ديسمبر الحالي لن يكون مكسباً للساحة الثقافية الجزائريّة المستقلّة فقط، وإنما مكسباً للدولة الجزائريّة ككلّ، من حيث أنّها ستمثل أوّل منصّة إلكترونية تقدّم وتعرّف بالفضاءات الثقافية الجزائرية من أقصي الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، بما يعنيه ذلك من مكاسب ثقافيّة وسياحيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وسياسيّة.
حسام السراي- العراق
أهم تحدٍّ واجهته مجموعة السياسات الثقافية في العراق في عملها هذا العام، هو إنها لم ترد أن تخرج عن المزاج العام في البلد، كي لا تكون بعيدة عن الواقع وعن الحاجة لفعل ثقافي حقيقي له أثر اجتماعي، ولكي لا تعود إلى العمل في 2016 بعد انطلاقتها العام الماضي، مباشرة بندوات وورش عمل لم يعد الشارع العراقي والمثقفون الرصينون يؤمنون كثيراً بقيمتها في زمن الحرب، فكان التخطيط لنقل فعاليات المجموعة إلى الشارع وبين الناس تحت باب "إتاحة الثقافة لشرائح أوسع"، صائباً ومهماً على صعيد ما حققه من تأييد ومباركة ثقافية واجتماعية كانتا واضحتين في مواقع التواصل، عبر تصوير أعمال مبادرة "هل تعرف؟" من أناس اعتياديين والتفاعل معها والإشادة بها.
لواء يازجي– سوريا
الوضع السياسي القاتم هو أهم تحدي يواجه المجموعة الوطنية على المستوى المفاهيمي، إذا أنه يجعل من الصعب تخيّل المستقبل العام -أو حتى الحاضر ربما- لكل المفردات المتعلقة بالتخطيط في أي من المجالات؛ هذا التأرجح الذي يطغى دوماً على أولويات اللحظة. كل المشاكل والتحديات اللوجستية الأخرى تنبع وتصب في هذا الثقب الأسود: التباعد الجغرافي، عدم التفرغ وصعوبة الوصول للمعلومات الدقيقة... إلخ.