الأردن: حول منع مشروع ليلى وعلاقة القطاع الثقافي المستقل مع الرقابة
Jul 2017بعد منع السلطات الأردنية للعام الثاني على التوالي من منع إقمة حفل غنائي لفرقة مشروع ليلى، يعود القطاع الثقافي والفني المستقل في الأردن إلى مواجهة قضية المنع والرقابة على الأعمال الفنية والثقافية، ويعود النقاش مجدداً حول الدور الذي ينبغي لهذا القطاع أن يلعبه للحد من تلك الرقابة أو لفهم آلياتها المتبعة.
في الأردن، تُعتبر حملات التنديد المجتمعية التي تتخذ من وسائط التواصل الاجتماعي إجراء واسع التنفيذ، ففي أول رد فعل بعد قرار المنع، أطلق مجموعة من الناشطين والفنانين في الأردن حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تنديداً على قرار وزارة الداخلية الأردنية بمنع إقامة الحفل الغنائي لفرقة مشروع ليلى والذي كان من المقرر يوم 27 حزيران/ يونيو 2017، وذلك بسبب تضمن الحفل لفقرات مستفزة لمشاعر العامة، وفقاً لما ورد في نص قرار المنع، حيث جاء قرار المنع بعد اعتراض مجموعة من نوّاب البرلمان الأردني على إقامة الحفل معترضين على دعم وزارة السياحة للحفل ومنح التصاريح اللازمة.
حملت الحملة المضادة لقرار المنع هاشتاغ #ادعم_مشروع_ليلى، وهاشتاغ #اخدش_حياء_النواب، وكزت على انتقاد عمل مجلس النواب الأردني من خلال الإتيان على ذكر جملة من القضايا الاقتصادية والسياسية التي أخفق المجلس في إيجاد حلول لها أو منعها ومنها صفقة استيراد الغاز من إسرائيل.
إلا أن تلك الحملات لم تتجاوز كونها ردود فعل تحمل من السخط والسخرية ما لا يمكن له أن يحمل السلطات الأردنية على التراجع عن قرارها، خلافاً لما حصل العام الفائت. حينها تم إلغاء المنع ولكن بتوقيت لم يسمح للفرقة الحضور في الوقت المناسب، وكأنه كان تراجعاً محسوباً من السلطة. ففي نيسان/ أبريل من العام الماضي ألغى محافظ العاصمة عمان حفلة مشروع ليلى على المدرج الروماني بعد أن تقدّم أحد نواب البرلمان الأردني بشكوى تعتبر أن فرقة مشروع ليلى "تطرح أفكاراً غريبة على مجتمعاتنا وتروّج لأفكار عبدة الشيطان وتتحدث عن المثلية الجنسية.
يرى رائد عصفور، مدير مسرح البلد، في إلغاء عرض مشروع ليلى للعام الثاني على التوالي مؤشراً خطير على التضيق على الحريات العامة في الأردن وخاصة على الأعمال الفنية والثقافية، ويقول: "أعتقد أن الحملة الكبيرة التي تمت في السنة الماضية والتي انتهت بإجبار المحافظ على التراجع عن قرار المنع كان لها دور كبير في تعزيز دور القطاع الثقافي المستقل حيال مسألة الرقابة على الأعمال الفنية بالرغم من عدم حضور الفرقة السنة الماضية! كل المثقفين والعاملين في المجال الفني ساهمنا في تلك الحملة، ولكن تكرار واقعة المنع في هذا العام من شأنها أن تعيد طرح السؤال مجدداً حول ملامح وطبيعة الآليات التي ينبغي للقطاع الثقافي والفني المستقل أن يعمد إلى التفكير بها وتفعيلها من أجل ضبط مسألة الرقابة على الأعمال الفنية في الأردن اليوم. أقترح أن يقوم القطاع الثقافي بنوع من الحشد مع جهات وقنوات حقوقية ودولية تؤمن بحرية التعبير من أجل الضغط على صنّاع القرار الحكومي، والعمل على قوننة الرقابة بالعمل مع كل مؤسسات المجتمع المدني".
من جهتها، نشرت فرقة مشروع ليلى عبر صفحتها على موقع فيسبوك بياناً يوم 14 حزيران/ يونيو 2017 أكدت فيه خبر إلغاء الحفل ووضحت استيائها مما وصفته بتناقض قرارات السلطات الأردنية بين الترخيص والمنع.
جاء أيضاً في البيان: "كان لدينا انطباع بأن الأردن تتخذ موقفاً واضحاً فيما يتعلق بحرية التعبير وبحقوق الإنسان المعترف بها دولياً والمتعلقة بـمجتمعات الميم (LGBTIQ) والتي كان مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الممثل السابق الدائم للأردن لدى الأمم المتحدة الأمير زيد بن رعد الحسين من أشد المؤيدين لها. إن الوضع غير المتناسق للحكومة الأردنية في هذا الصدد (إصدار التصاريح اللازمة لعرضنا، ثم حظرنا، ثم إلغاء الحظر، ثم إصدار التصاريح اللازمة مرة أخرى، ثم حظرنا من جديد – كل ذلك في غضون 14 شهراً) هو خير دليل على أن السلطات الأردنية لا تنوي فصل الأردن عن التحفظ المتعصب، مما ساهم في جعل المنطقة غير آمنة وأكثر عدائية على مدى العقد الماضي".
أما الفنان البصري رائد ابراهيم فيرى أن الرقابة على المنتج الفني في الأردن ما زالت تحمل إرث زمن السيطرة الشمولي، وتمارسها أحياناً بطريقة لا تتماشى مع التطورات الحالية، مثل منع مقالات او كتب مع وجود الإنترنت. يتابع قائلاً: "أشعر أن القائمين على الرقابة يتحركون أحيانا وفق المزاج العام، أو خوفاً منه، مثل التخبط الذي نراه مع حفل فرقة مشروع ليلى. من ناحية ثانية نستشعر حذراً أكبر وتدقيقاً أكثر في السنوات الأخيرة، مبرراً بتنامي الإرهاب، مما أتاح للسلطات هامشاً واسعاً من التحرك في المنع والحجب وحتى القمع، بحجة ما يطلق عليه في الأردن مكتسب "الأمن والأمان"، المصطلح الذي يبرر العديد من الممارسات غير الديمقراطية بحق النتاج الفني والثقافي بشكل عام. إن تنامي شعبية الخطاب الديني (المدعوم أحياناً من الدولة) والمستثمر كبديل عن التطرف الداعشي، أتاح أيضاً مبرراً آخر لقمع الحريات الفنية والثقافية بحجة تعارضها مع الدين أو ما يسمى بالعادات والتقاليد".
إلا أن رائد ابراهيم يرى في الوقت نفسه أن مساحة الحرية في إنتاج الأعمال الفنية في الأردن لا بأس بها، ويضيف: "كثيراً ما نرى أفراداً من المخابرات (يسهل تمييزهم) في افتتاح معرض أو جلسة نقاشية ثقافية عامة، وقليلاً ما نراهم يتدخلون بمنع أو قمع. أعتقد أحيانا أنهم يعلمون أن قمع فنان أو مثقف مغمور قد يثير ضجة تؤدي لمفعول عكسي، وفي النهاية هناك ما هو أهم من مجموعة فنانين أو مثقفين يتفلسفون على كل حال. في النهاية، من المحتمل أن الرقيب الأقسى على المنتج الفني والثقافي في الأردن هو الفنان نفسه".
أما الفاعل الثقافي ومدير مركز جدل للثقافة والمعرفة فادي عميرة فيتشارك معنا التجربة العملية لمركز جدل مع الرقابة قائلاً: "نحن في جدل للمعرفة والثقافة، ومنذ افتتاح المشروع وحتى هذه اللحظة، واجهنا العديد من العقبات المتعلقة بتعقيد القوانين وعدم وضوحها، بالإضافة لبيروقراطية الدولة وفساد مؤسساتها. بالإضافة إلى ذلك، نتعامل مع متابعة حثيثة للأجهزة الأمنيّة لما نقدمه من مشاريع وفعاليات، تصل أحياناً إلى مضايقات تنغص لنا عملنا وحياتنا. لم نواجه أي حالة منع لأي من فعالياتنا حتى اللحظة، ونحن حريصون على عدم الصدام مع أي جهة في الوقت الذي نلتزم فيه بخلق مساحة حوار نقدي بنّاء يهدف لتقدم وسلامة المجتمع. باستثناء حادثتين تعرضنا فيهما لضغوط، الأولى كانت عندما طرحنا بالتعاون مع منظمة السلام الأخضر قضية المفاعل النووي المزمع إقامته في الأردن، بالإضافة لمنعنا المطلق من عرض الأفلام بحجة خرقنا للقوانين التي استنتجنا في النهاية أنها غير واضحة ومضلّلة".
يرى فادي أن الدولة إجمالاً تتعامل بحذر ورقابة شديدة لأي عمل عام من أي نوع، ويتضح أنها تهاب من النشاط المجتمعي، خصوصاً في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها المنطقة. وهي حريصة على إسكات أي صوت ناقد في سبيل المحافظة على استقرار الوضع الراهن وبقاءه كما هو دون أي حراك أو تغيير حتى لو كان إصلاحياً وسلمياً.
يُذكر أن منظمة فريدوم هاوس كانت قد صنّفت الأردن وفقاً لتقريري عامي 2016 و2017 من حيث حالة الحقوق السياسية والحريات المدنية بأنه "حر جزئياً"، أما منظمة صحافيون بلا حدود فقد وضعت الأردن في تقرير 2016 في المرتبة 135.