سياسة ثقافية عربية، من أجل من؟ بقلم بسمة الحسيني
May 2018القسم الخامس من مقال "حال الفنون - قضايا راهنة في الإبداع الفني والأدبي في المنطقة العربية”
المنشور في موقع "جدلية" بتاريخ 15 فبراير / شباط 2018
بسمة الحسيني – ديسمبر/كانون الأول 2017
هناك تعريفات متعددة لما يعنيه مصطلح السياسات الثقافية، ولكن لغرض هذا المقال سأكتفي بالتعريف شائع الاستخدام وهو أنها تلك الإجراءات والأفعال والقوانين التي تقوم بها الحكومات، أو المؤسسات العامة أو الخاصة أو الأهلية لتنظيم أو حماية أو دعم أو تشجيع الإبداع والإنتاج الفني والثقافي، والموارد الثقافية والتراث الثقافي لبلد ما، أو عدة بلدان. وكذلك يتضمن التعريف تلك الاجراءات والأفعال والقوانين التي تحد أو تمنع أو تهدد أو تعرض للخطر ذلك الإبداع والانتاج والموارد والتراث. في المنطقة العربية. بهذا المعنى، يمكننا أن نتفق على أن لدى كل البلاد العربية سياسات ثقافية، ولكن المصطلح لم يستخدم على نطاق واسع، ولا في الوثائق الرسمية الحكومية إلا نادراً، وغالباً بعد عام 2010.
كان لمؤسسة المورد الثقافي فضل ريادة هذا المجال في المنطقة العربية، من خلال البرنامج الذي أطلقته عام 2009، بالتعاون مع المؤسسة الثقافية الأوروبية، لرصد السياسات الثقافية في ثمان دول عربية. جاءت بداية البرنامج على أساس من النموذج الذي وضعه المعهد الأوروبي لأبحاث السياسات الثقافية المقارنة ERICarts ، والذي حدد مجالات رصد السياسات الثقافية في أوروبا، ثم توسع في استخدامه في بلدان أخرى. حاولت مؤسسة المورد الثقافي تطويع هذا النموذج لكي يمكن استخدامه في البلدان العربية، وقامت بتدريب مجموعة من الباحثين على ذلك، وأتى كتاب "السياسات الثقافية في الجزائر ومصر والأردن ولبنان والمغرب وفلسطين وسوريا وتونس" الصادر عن دار بوكمان في هولندا، بالتعاون بين مؤسسة المورد الثقافي والمؤسسة الثقافية الأوروبية، عام 2010، وكذلك النسخة العربية الموازية لهذا الكتاب الصادرة عن دار شرقيات في مصر، من تحرير حنان الحاج علي، ليكون أول نتيجة لهذا الرصد الذي استمر لحوالي عام، وأول كتاب ينشر عن السياسات الثقافية في المنطقة.
بعد إصدار الكتابين، استمر عمل مؤسسة المورد الثقافي في تطوير السياسات الثقافية العربية، فنظمت المؤتمر الأول للسياسات الثقافية في بيروت في يونيو (حزيران) 2010، والذي أفرز مجموعات للعمل على تطوير السياسات الثقافية في عدة دول عربية، ثم مؤتمر "ثقافة مستقلة من أجل الديمقراطية" في القاهرة في ديسمبر (كانون الأول) 2012، والذي شارك فيه أكثر من 120 فناناً وأكاديمياً وناشطاً ثقافية من 10 دول عربية هي موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان واليمن والعراق والكويت. انتهى المؤتمر إلى توصيات عديدة كان أبرزها التوصية بمشاركة القطاع الثقافي في قيادة عملية التغيير السياسي والاجتماعي، وسنّ سياسات ثقافية جديدة تحقق ديمقراطية ولا مركزية الثقافة.
أدت هذه الجهود، بالإضافة إلى تبني بعض المؤسسات الدولية والأهلية الأخرى قضية تطوير السياسات الثقافية، إلى وضعها في مقدمة الموضوعات المطروحة للمناقشة عند التفكير في اصلاح منظومة الثقافة في البلدان العربية. خلال الأعوام من 2010 إلى 2015 شهد هذا المجال طفرة كبيرة في عدة بلدان، ففي الجزائر طرحت "مجموعة عمل متكوّنة من فاعلين ثقافيين شباب ولأول مرّة في تاريخ الجزائر لوثيقة سياسة ثقافية جزائرية مقترحة من قبل المجتمع المدني تمّ الإعلان عنها سنة 2013 بعد سنتين من النقاش الميداني المفتوح، وذلك في ظل تضييقات كبيرة من الجانب الرسمي. هذا التجاذب بين الرسمي والمدني توّج برضوخ المؤسسة الرسمية لغير قليل من الأفكار ولو بطريقة غير مصرّح بها كان من نتائجها المباشرة المصادقة المتأخرة نسبيّا على اتفاقية اليونسكو 2005"[1]
وفي اليمن "تضمنت الوثيقة الختامية لمؤتمر الحوار الوطني، الذي عقد خلال عامي 2013 و2014، مجموعه كبيرة من السياسات الثقافية والمواد التي اعتبرت ملزمة من الناحية القانونية، ومنها قوانين خاصة بالحقوق الثقافية وثقافة حقوق الإنسان ومواد خاصة بالكتاب وحقوق المثقفين والسينما وتطوير الثقافة و الإعلام و الصحافة الثقافية و ثقافة الطفل والنساء.[2]
ومن ثم جاء الدستور اليمني الذي تم تطويره خلال عام كامل ليفرد مواداً خاصة بالثقافة كحق من حقوق الإنسان فى الدستور اليمني المعدل . ولكن بعد الانقلاب الذى قام على أساس رفض الفيدرالية التي نص عليها مؤتمر الحوار الوطني والدستور ، وهروب الرئيس هادي الى المملكة العربية السعودية وبدء عاصفة الحزم لم يعد هناك اى تفعيل للوثيقة الخاصة بمؤتمر الحوار الوطني أو الدستور اليمني الجديد فى ظل الحرب التي تعيشها اليمن ."[3]
وفي المغرب، يقول الشاعر مراد القادري أن: "أهم ما ميز العشرية الأخيرة: إقرار دستور سنة 2011، والذي يركز في عدة مواد على أهمية التنمية الثقافية والفنية وحق كل مواطن في التعبير الثقافي بكل تنوعه؛ علاوة على تبنيه لقضية اللغات وجعل اللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية واهتماهه بالتنوع الثقافي والحق في انتفاع المواطن المغربي بالثقافة واستهلاكها والتأكيد على سهر الدولة على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، من خلال إحداث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية. هذا؛ وقد صادق المجلس الحكومي بتاريخ 3 غشت 2016 على مشروع القانون التنظيمي رقم 04.16 والذي يتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية،كمؤسسة توكل إليها مُهمة حماية وتنمية اللغتين الرسميتين للمغرب ورسم السياسات الثقافية للبلد."[4]
أما في تونس، فجاءت أهم التطورات في السياسة الثقافية متمثلة في الغاء الرقابة المسبقة على الأعمال المسرحية، ثم إصدار قانون المالية التكميلي في عام 2014، ابان تولي السيد مراد الصقلي وزارة الثقافة، الذي يتيح دعم المشاريع والمؤسسات الثقافية من ضرائب شركات القطاع الخاص، حتى 70% من هذه الضرائب[5]، وهو قانون لا نظير له في أي بلد عربي. ويعد الفصل 42 من الدستور التونسي الذي أقر في عام 2014 من أكثر النصوص الدستورية في المنطقة شمولاً للحقوق الثقافية فهو ينص على: "الحق في الثقافة مضمون، حرية الإبداع مضمونة، وتشجع الدولة الإبداع الثقافي، وتدعم الثقافة الوطنية في تأصلها وتنوعها وتجددها، بما يكرّس قيم التسامح، ونبذ العنف، والانفتاح على مختلف الثقافات والحوار بين الحضارات. تحمي الدولة الموروث الثقافي وتضمن حق الأجيال القادمة فيه".
ويجد الناظر المتمعن في محتوى مقترحات السياسات الثقافية المختلفة، والنصوص والتعديلات الدستورية والقانونية المتعلقة بالثقافة، اهتماماً بالبعد الاجتماعي للسياسة الثقافية، وإشارات متكررة إلى الدور الذي يجب أن يلعبه النشاط الثقافي والفني في مواجهة التطرف والعنف بأنواعه، أو تخفيف الاحتقان الإجتماعي، أو التعبير عن قضايا العدالة الاجتماعية، أو التعبير عن التنوع اللغوي أو الديني أو العرقي. فنجد مثلاً أن المجموعة الوطنية للسياسات الثقافية في مصر[6]قد أنجزت ورقة بعنوان "اطار عام للسياسة الثقافية في مصر" تتضمن استراتيجيات مثل "الحد من مركزية الثقافة" و"التكامل بين السياسة الثقافية وسياسات التعليم". وكانت هذه الورقة قد قدمت من قبل أكثر من 40 جمعية ومؤسسة ثقافية أهلية إلى لجنة الثقافة والإعلام في مجلس الشعب (البرلمان)، ونوقشت في اجتماع اللجنة يوم 16 يونيو 2012، وتمت الموافقة عليها من قبل اللجنة، ولكن حكماً قضائياً بحل البرلمان صدر في نفس اليوم، وانتهت به قصة هذه الورقة.
قصة السياسات الثقافية في العراق هي الأكثر مأساوية بين محاولات البلدان العربية اقتراح سياسة ثقافية وطنية، إذ أغتيل المفكر والكاتب العراقي كامل شيّاع الذي أخذ على عاتقه، إبان عمله كمستشار لوزير الثقافة، مهمة كتابة مسودة للسياسة الثقافية في العراق، ثم قام بتنظيم مؤتمر للمثقفين العراقيين شارك فيه نحو ألف فنان وكاتب ومثقف لمناقشتها عام 2005، تحت رعاية منظمة اليونسكو. عمل كامل شيّاع جاهداً بعد المؤتمر لوضع توصياته، والتي أطلق عليها اسم خارطة طريق الثقافة العراقية، موضع التنفيذ، ولكنه واجه الكثير من العراقيل السياسية والبيروقراطية، حتى أغتيل عام 2008، دون أن يعرف قاتله حتى الآن، ودفن معه هذا المشروع الهام. الملاحظ الآن أن العراق يعاني من فقر تشريعي مؤسف، إذ حتّى الدستور العراقيّ بكلّ موادّه ترد فيه هذه لمادّة فقط التي فيها ذكر للثقافة والفنون:"ترعى الدولة النشاطات والمؤسّسات الثقافية بما يتناسب مع تاريخ العراق الحضاري والثقافي، وتحرص على اعتماد توجهات ثقافية عراقية اصيلة"[7]
لقد أثمرت جهود تطوير السياسات الثقافية في المنطقة العربية زيادة في الوعي بأهميتها، كما أثمرت بعض الإجراءات المفيدة والعملية على مستوى تمويل الثقافة، وكذلك نصوصاً هامة لحماية حرية التعبير الفني في دساتير وقوانين بعض الدول، ولكنها قلّما نتج عنها اقتراحات عملية بإصلاحات هيكلية جوهرية في منظومة الثقافة الرسمية.[8] ومن البديهي أنه لا يمكن تطوير السياسة الثقافية لدولة ما، دون إعادة النظر بشكل جذري في مؤسسات وأليات رعاية الثقافة فيها.
مازالت الهوة واسعة بين هذه المحاولات المخلصة لتطوير سياسات ثقافية تستجيب بشكل أكبر لاحتياجات المجتمعات العربية، وبين ما تتبعه معظم المؤسسات الثقافية الرسمية التي يقتصر دورها في كثير من الأحيان على مصاحبة وتجميل الشخصيات والأحداث السياسية الرسمية. من ناحية أخرى، تحتاج محاولات تطوير السياسات الثقافية الجارية في المنطقة إلى الكثير من العمل على محتوى هذه السياسات، وعلى أليات النقاش والاتفاق حولها، لكي تصل إلى تبنيها من قبل شرائح اجتماعية عريضة، فمازالت معظم هذه المقترحات قاصرة عن تناول قضايا اجتماعية ملحة مثل البطالة والتهميش الاقتصادي والاجتماعي للريف والمناطق العشوائية والبوادي، وكل ما يخرج عن نطاق الطبقات المتوسطة وفوق المتوسطة في العواصم والمدن الكبرى. وحتى الآن، لا تتناول هذه المقترحات بشكل جدي المشكلات التي تؤثر بشكل مباشر في انتاج واستهلاك الأعمال الفنية والأدبية، مثل الأمية ورداءة التعليم.
على أرض الواقع، هناك سياسات ثقافية غير مقننة تحكم العمل الثقافي في معظم البلدان العربية. هذه السياسات تسنها في المقام الأول الممارسات العملية للمؤسسات الثقافية الرسمية، وتراكمات الإجراءات واللوائح التي تحكم عملها، والتي أحياناً ما تحتوي على تناقضات ومفارقات. وتتوقف فعالية هذه السياسات غير المقننة على كفاءة واخلاص من يقومون على تنفيذها، فنجد في أحيان قليلة طفرات ايجابية في أداء مؤسسات ثقافية رسمية في بلد ما، لأن شخص الوزير، أو كبار موظفيه، لديهم رغبة حقيقية في تنشيط العمل الثقافي[9]. عادة ما تفشل محاولات هؤلاء في احداث تغيير حقيقي في السياسات الثقافية لأسباب متشابكة منها الواقع السياسي الذي يضع العمل الثقافي الحكومي في موضع المروّج للأجندة السياسية للنظام، ومنها معاداة الجهاز البيروقراطي الرسمي لأي تغيير جذري.
في المقام الثاني يأتي تأثير السياسات الثقافية التي تتبعها المؤسسات المانحة الدولية التي تدعم الثقافة في المنطقة العربية، وأهمها من ناحية حجم التمويل ووضوح السياسة الثقافية هو الاتحاد الأوروبي، وتليه مؤسسات أميركية وأوروبية خاصة مثل مؤسسة فورد Ford Foundation التي تتميز بأن لديها برنامج مخصص لدعم الثقافة والفنون، وله أولويات واضحة، ومؤسسات دروسوس Drosos ودون Doen Stichting والمجتمع المفتوح Open Society Foundations وأنا ليند Anna Lindh Foundation المؤسسة الثقافية الآوروبية European Cultural Foundation وغيرها. بشكل عام –مع أهمية ملاحظة الاختلافات– تتبنى هذه المؤسسات سياسات توازن بين دعم تطوير المؤسسات الحكومية وتدريب العاملين بها، ومشاريع حماية التراث التي تتولاها أجهزة حكومية من ناحية، وبين دعم المؤسسات والمنظمات والمشاريع الثقافية غير الحكومية، بالقدر الذي تسمح به القوانين المحلية التي كثيراً ما تحد من هذا الدعم. من ناحية أخرى، تجدر الإشارة أيضاً إلى الدعم الذي تقدمه بعض المؤسسات والمراكز الثقافية الأوروبية مثل المجلس الثقافي البريطاني The British Council ومعهد جوتة Goethe Institut ومؤسسة بروهلفسيا Pro Helvetia في إطار التبادل الثقافي والدبلوماسية الثقافية، ونادراً في إطار برامج دعم التنمية، والذي يقدم لمشاريع وبرامج ثقافية يصممها ويشارك فيها أوربيون، والتي ربما يكون تأثيرها أكبر على القطاع الثقافي في البلد الأوروبي الذي يقدم هذا الدعم.
لا شك في أن المؤسسات والحكومات المانحة الدولية لعبت دوراً هاماً في تطوير منظومة الثقافة خلال الأعوام العشرة الماضية، على الأخص في البلدان التي تفتقر إلى مؤسسات ثقافية رسمية فعالة، والتي نشأت فيها منظمات ثقافية أهلية صغيرة، مثل ليبيا وموريتانيا والسودان واليمن، وكذلك على المستوى الإقليمي من خلال دعم هذه المؤسسات المانحة لمؤسسات اقليمية تقوم بدورها بدعم مشاريع ثقافية في بلدان عربية عديدة مثل الصندوق العربي للثقافة والفنون والمورد الثقافي ومؤسسة أنا ليند. ما يفتقد في سياسات هذه المؤسسات الدولية هو فهمها لعمل بعضها البعض، والحوار بينها، وتلمس امكانيات التنسيق والتعاون لتعظيم تأثير مواردها المالية. من التحديات التي تواجه هذه المؤسسات أيضاً ضعف قدرتها على التأثير في المنظومة الثقافية الرسمية، وفي القوانين والتشريعات المحلية التي يحد بعضها من حرية التعبير، ومن امكانيات الانتاج الفني. كذلك تتسم سياسات بعض هذه المؤسسات المانحة بقصر النفس، وتغيير الأولويات والموضوعات بشكل سريع، ودون علاقة واضحة مع معطيات الواقع في المنطقة، فنجد بعضها يعطي أولوية لموضوع أو مجال ما، الفنون المعاصرة أو حرية التعبير على سبيل المثال، ثم يقوم بتغيير هذه الأولوية دون أن يكون قد حدث تغيير على أرض الواقع يبرر ذلك. من المآخذ الأخرى على الدور الذي تقوم به المؤسسات المانحة هو أن بعض المؤسسات الثقافية المستقلة،والفنانين، يقومون بصياغة مشاريعهم وخططهم بحيث تتفق مع أولويات هذه المؤسسات، والمفترض هو العكس. في رأيي، يرجع هذا إلى ضعف المؤسسات الثقافية المستقلة وقلة مواردها المالية، وربما حتى غياب الرؤية والخطط الواضحة لدى بعضها.[10]
من الملفت ملاحظة مدى تأثير تمويل المؤسسات المانحة الدولية على القطاع الثقافي في البلدان العربية، مقارنة بتأثير التمويل الحكومي للثقافة. على سبيل المثال، ورغم أن المعلومات الدقيقة الموثقة غير موجودة، يقدر التمويل الحكومي للثقافة في مصر عام 2011 بحوالي 147 مليون دولار،[11] بينما لا يمكن أن يزيد مجمل تمويل المؤسسات المانحة الدولية لقطاع الثقافة في مصر على خمسة ملايين دولار في العام نفسه، ومع هذا نجد أن أكثر المشاريع الثقافية ظهوراً وتأثيراً في مصر هي تلك الممولة من مؤسسات مانحة دولية مثل مهرجان دي كاف، وأنشطة المؤسسات الثقافية المستقلة مثل تاون هاوس جاليري ومحطات وآرت اللوا ومركز الصورة المعاصرة وغيرهم. ربما يكون أحد أسباب ضعف تأثير التمويل الحكومي للثقافة هو أنه معظمه ينفق على الهياكل الإدارية الضخمة، ولكن الأسباب الأخرى تشمل غياب سياسة ثقافية لها أهداف محددة، أو حتى رؤية عمومية تعمل هذه المنظومة على تحقيقها.
موضوع السياسات الثقافية هو الأهم عند الحديث عن إصلاح أو تطوير منظومة الثقافة، ولكنه يطرح أسئلة صعبة وملحة لا توجد إجابات واضحة عليها، ولا اجابات تصلح لكل البلدان والظروف:
- كيف يمكن جسر الهوّة بين المؤسسات الثقافية الرسمية وبين جهود تطوير السياسات الثقافية التي تقوم بها مجموعات مستقلة، في ظل غياب – أو ضعف – أليات الحوار الديمقراطي في مجتمعاتنا، وهيمنة أنظمة غير ديمقراطية؟
- هل هناك قواعد أو مبادئ لإدارة ودعم العمل الثقافي يمكن طرحها للنقاش والاتفاق عليها داخل المجتمعات التي تمر بصراعات عنيفة؟ هل هناك حد أدنى مشترك بين الأطراف المتصارعة يمكن الحفاظ عليه، وكيف؟
- كيف يمكن وضع دور المؤسسات المانحة الدولية في الحسبان عند وضع السياسة الثقافية الوطنية، وما هي الآليات المطلوبة لإشراك هذه المؤسسات في الحوار حول هذه السياسة؟
- كيف يمكن لعملية تطوير سياسات ثقافية جديدة، ولمحتوى هذه السياسات، أن يستجيبا لمشاكل الشرائح الاجتماعية الأوسع، والتي تعاني من الفقر والتهميش، وليس لديها وعي كبير بدور الثقافة في تحسين حياتها؟
بدون محاولة الإجابة على هذه الأسئلة، ستبقى جهود تطوير السياسات الثقافية في البلدان العربية ضمن إطارين: أن تكون عملاً تنشيطياً ودعائياً من قبل مجموعات من المثقفين والفنانين المستقلين، يستهدف في المقام الأول انتقاد المنظومة الثقافية الرسمية، وتقديم بدائل لعملها لا تطبق عملياً، أو أن تكون وثيقة رسمية يسنها مسؤول أو مجموعة مسؤولين، دون مساندة او تبني لا من الجماعة الثقافية، ولا من شرائح اجتماعية مؤثرة، وفي أحيان كثيرة: دون نية حقيقية لتطبيقها بشكل عملي. في كلتا الحالتين ستبقى الشرائح الأوسع من المجتمع: الفقراء – الأميون – سكان الريف والبوادي والعشوائيات – معظم الشباب والأطفال، دون سياسة ثقافية تلبي احتياجاتهم. كل هذا بالإضافة إلى التجاهل التام للاحتياجات الثقافية للأعداد الكبيرة من النازحين والمهجرين في بلدان مثل لبنان والأردن وتونس وليبيا واليمن والعراق.
[1]من رسالة لحبيبة العلوي، الشاعرة والأكاديمية، وعضو المجموعة الوطنية للسياسات الثقافية في الجزائر، رداً على أسئلتي في يوليو 2017.
[2]من رسالة لنبيل الخضر، الناشط ثقافي وعضو المجموعة الوطنية للسياسات الثقافية في اليمن، رداً على أسئلتي في يوليو 2017
[3]المصدر السابق
[4]من رسالة لمراد القادري، رئيس بيت الشعر وعضو المجموعة الوطنية للسياسات الثقافية في المغرب، رداً على أسئلتي في يوليو 2017.
[5]وفقاً للمنتج الفني والناشط الثقافي التونسي حبيب بالهادي، ورداً على أسئلتي في يوليو 2017.
[6]بدأت تلك المجموعة عملها في 2010 تحت مظلة مؤسسة المورد الثقافي واستمرت في العمل حتى 2013
[7]من رسالة للشاعر, حسام السراي عضو المجموعة الوطنية للسياسات الثقافية في العراق، رداً على أسئلتي في يوليو 2017.
[8]من الأمثلة القليلة انشاء صندوق لتمويل الفنون في تونس
[9]من الأمثلة على ذلك محاولات مراد الصقلي في تونس، وعماد أبو غازي في مصر خلال توليهما منصب وزير الثقافة في تونس وفي مصر
[10]من الأمثلة على ذلك انخراط بعض المؤسسات الثقافية والفنانين في مشاريع تحت عناوين مثل "حوار الحضارات" و"بناء الجسور"، عندما أعلنت مؤسسة أنا ليند عن دعمها لمثل هذه المشاريع
[11]دراسة مقارنة عن بعض جوانب السياسات الثقافية في الجزائر وتونس والمغرب ومصر – عمار كساب ودنيا بن سليمان – كراسات في السياسات الثقافية – المورد الثقافي 2013