تقرير: تضييقات أمنية وقضائية جديدة تطال الحياة الثقافية على كل مستوياتها
Dec 2014منذ اندلاعة ثورة 25 يناير عام 2011 وحتى يومنا هذا، دخل الشهد الثقافي المصري في منعطفات كثيرة عبّر كل منها عن روح المرحلة الجديدة، حيث عمل القطاع الثقافي المستقل على الانخراط في العمل السياسي والعمل بصورة فعالة على تمتين العلاقة بين الفنون ونبض الشارع عبر تغييرات جذرية طالت نمط وبنية برامج معظم المؤسسات الثقافية وطريقة تنفيذ أنشطتها على الأرض. إلا أن المراقب لتطورات المشهد الثقافي والسياسي المصري يلحظ بسهولة تدهوراً ملحوظاً خلال الفترة الماضية على صعيد الحريات العامة والتضييق المتزايد على مؤسسات ومنظمات القطاع المستقل. يستعرض موقع السياسات الثقافية في المنطقة العربية عدداً من تلك الممارسات والمستجدات.
تعديلات جديدة على قانون العقوبات حول التمويل الخارجي
أثارت السلطات المصريّة جدلاً وقلقاً في أوساط القانونيّين والحقوقيّين والفاعلين في القطاع المدني، نتيجة التّشريعات التي سنتها والتعديلات على القوانين الخاصّة بالأعمال التي تهدّد السلّم في البلاد. إذ نشرت الصحف الرسمية بتاريخ 23 أيلول/ سبتمبر 2014، قراراً جمهورياً يقضي بإجراء تعديلات على المادّة 78 من قانون العقوبات الخاصّة بالتّمويل الخارجيّ لتشدّد العقوبة على كلّ من يتلقّى أموالاً من جهات أجنبيّة، وذلك في إطار سياسة مكافحة الإرهاب التي تنتهجها مصر منذ أحداث 30 يونيو 2013.
ووفقاً للتعديلات الجديدة، يُمنع تلقي أي دعم من قبل "دولة أجنبيّة أو ممّن يعملون لمصلحتها أو من شخص طبيعيّ أو اعتباريّ أو من منظّمة محليّة أو أجنبيّة أو أيّ جهة أخرى لا تتبع دولة أجنبيّة ولا تعمل لصالحها".
وتفرض العقوبات نفسها على كل شخص يقوم بعروض أو يتلقى وعوداً بالدعم المالي بما في ذلك كل من يتوسط بذلك. وإذا كان الطلب أو القبول أو العرض أو التوسّط كتابة ورقيّة أو إلكترونية فإنّ الجريمة تتمّ بمجرد تصدير الكتاب أو البيان".
ويتلخص أحد جوانب المشكلة في التعديلات الجديدة كما يراها الحقوقيون أن النص الجديد الذي أضاف الأشخاص اﻻعتبارية والطبيعية والمنظمات المحلية والأجنبية والجهات الأخرى التي لا تتبع دولا أجنبية، إلى الجهات المحرم تلقي الأموال منها، يدخل بشكل مباشر في هذا النطاق كل الأعمال التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في مصر. ويرى منتقدو هذه التعديلات أنها تأتي في سياق قيام النظام المصري الجديد بإحكام السيطرة على الأصوات والجهات المعارضة له، وهي إجراءات بدأت بإغلاق القنوات الفضائية التي تخالفه الرأي وافتتاح الكثير من القنوات المؤيدة، واليوم يعمل هذا النظام على التضييق على أنشطة وحركة المجتمع المدني في مصر عبر تعديلات فضفاضة يمكن استخدامها لتوجيه الاتهام لأي كان.
المورد الثقافي، عشر سنوات من العمل داخل مصر تنتهي بالتوقف المفاجئ
وبنتيجة مباشرة وتلقائية للتعديلات السابقة بدأت بعض المؤسسات العاملة في القطاع المدني أو الثقاف\ي بتجميد برامجها وأنشطتها أو بالتوقف نهائياً لفترة غير معلومة، ومنها مؤسسة المورد الثقافي التي أعلنت بتاريخ الأحد ٩ تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 وقف جميع أنشطتها في جمهورية مصر العربية في المرحلة الراهنة، ووفقاً للبيان الصادر عن المؤسسة فسوف يستمر عمل البرامج الإقليمية لمؤسسة المورد الثقافي خارج مصر بالتعاون مع منسقيها في الدول العربية المختلفة.
وعلى الرغم من أن البيان الصادر بتاريخ 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 لم يأت على ذكر الأسباب الكامنة وراء التوقف إلا أنه يسهل الربط بين قرار التوقف وتعديلات قانون العقوبات الجديدة والمشار إليها أعلاه.
الداخلية توقف الفن ميدان نهائياً
وفي سياق لا يبدو منفصلاً عن كل ما سبق، قام الأمن المصري بتبليغ القائمين على فعاليات "الفن الميدان" بإلغاء المهرجان بصورة نهائية بذريعة "حماية القائمين على المهرجان من التنظيمات الأمنية"، وذلك ورغم موافقة المنظّمين، على اقتراح تغيير المكان الذي تُقام فيه الفعالية ("ميدان عابدين" في وسط القاهرة).
ويُذكر أن هذه الذريعة تأتي ضمن مجموعة من الأسباب الأخرى التي كانت وزارة الداخلية قد ساقتها خلال الفترات الماضية في محاولاتها المستمر لوقف فعاليات الفن ميدان. بدأ ذلك عندما أبلغت وزارة الداخلية القائمين على المهرجان بضرورة وقفه دعوى عدم حصول منظميه على تصريح إقامة الفعالية من محافظة القاهرة.
رداً على الذريعة التي أعلنتها الداخلية كان الشاعر زين العابدين فؤاد، أحد منظمي المهرجان، قد صرّح للصحافة قائلاً: "الأمن لم يفكّر في حمايتنا مرّةً واحدةً منذ أربعة أعوام. من يحمينا هم أهالي حي عابدين الذين استطعنا أن نصل إليهم بالفن. ومنع المهرجان يعكس التفكير الأمني المحدود لدى النظام الحالي".
وكان قد تناقل بعض الفنانين والقائمين على المهرجان أن سبب المنع يأتي من إشاعة مفادها أن منظّمي الفن ميدان "يتلقّون تمويلاً أجنبياً". وهو ما يتصل بالتعديلات الأخيرة على قانون العقوبات التي كانت السلطات المصرية قد أعلنت عنها مؤخراً والتي يُمنع بموجبها تلقي أي دعم من قبل "دولة أجنبيّة أو ممّن يعملون لمصلحتها أو من شخص طبيعيّ أو اعتباريّ أو من منظّمة محليّة أو أجنبيّة أو أيّ جهة أخرى لا تتبع دولة أجنبيّة ولا تعمل لصالحها".
عن هذه الإشاعة، تقول صفاء يوسف، وهي من فريق المهرجان، "الكلام عن تمويل أجنبي بخصوص "الفن ميدان" هو محاولة من الأمن لتشويه كل ما يمت بصلة إلى "ثورة يناير"؛ لأنه من المعروف أن الفعالية تقام منذ أربعة أعوام بجهود ذاتية".
يُشار إلى أن "الفن ميدان" يعقد في السبت الأول من كل شهر منذ 2011 في "ميدان عابدين" وسط القاهرة، وبعض المحافظات الأخرى، لتقديم الفنون للناس في الشوارع والساحات بلا حواجز اجتماعية أو اقتصادية تحول بينهم وبين الفن.